لماذا تحتاج الشركات إلى توظيف من لديهم متلازمة أسبرجر، واضطراب قصور الانتباه، وعسر القراءة.
في عام 1956، ناقش ويليام وايت في كتابه الأفضل مبيعاً حينها “رجل المنظمة The Organisation Man” كيف أنّ الشركات واقعةٌ في حب كبار الموظفين من ذوي الشخصية المتوازنة، وكيف أنها تشنُّ “حرباً على العباقرة”. هذا كان في الماضي، أما اليوم فالآية انعكست تماماً، ومن كانوا مضطهدين أصبحوا اليوم محسودين على ما يتمتعون به من مزايا. شركات البرمجيات تتلقف المهووسيين بالتكنولوجيا المعروفين بنفورهم الاجتماعي، وشركات التمويل تُنبّش عن خبراء الرياضيات غريبي الطباع، وهوليود تُسّخر إمكاناتها لإرضاء نزوات المبدعين، وحتى رجال السياسة يعوّلون على مستثمرين متمردين على القوانين ليخلقوا فرص عمل جديدة. سوق العمل ليست كباحة المدرسة التي لطالما كانت مكاناً يُساء فيه لهؤلاء الغير مندمجين اجتماعياً.
لقد لاحظ العاملون في مجال التوظيف أن السمات العقلية التي تتواجد عادةً لدى مبرمج الحاسوب المتميز تشابه تلك التي تم تشخيصها عند الأشخاص الذين لديهم متلازمة أسبرجر Asperger’s Syndrome ومنها: انشغال لحدّ الهوس بموضوع واحد وضيق، وشغف بالأرقام والأشكال والآلات، وإدمان على تكرير المهام، وصعوبة في التفاعل الاجتماعي. هناك دعابة شائعة يتداولها العاملون في وادي السيليكون بأن المتوحدين هم من اخترعوا الإنترنت كي يُسهّل لهم حياتهم، فبفضله يستطيعون التواصل دون الحاجة لتحمل عناء مقابلة الناس وجهاً لوجه.
في عام 1956، ناقش ويليام وايت في كتابه الأفضل مبيعاً حينها “رجل المنظمة The Organisation Man” كيف أنّ الشركات واقعةٌ في حب كبار الموظفين من ذوي الشخصية المتوازنة، وكيف أنها تشنُّ “حرباً على العباقرة”. هذا كان في الماضي، أما اليوم فالآية انعكست تماماً، ومن كانوا مضطهدين أصبحوا اليوم محسودين على ما يتمتعون به من مزايا. شركات البرمجيات تتلقف المهووسيين بالتكنولوجيا المعروفين بنفورهم الاجتماعي، وشركات التمويل تُنبّش عن خبراء الرياضيات غريبي الطباع، وهوليود تُسّخر إمكاناتها لإرضاء نزوات المبدعين، وحتى رجال السياسة يعوّلون على مستثمرين متمردين على القوانين ليخلقوا فرص عمل جديدة. سوق العمل ليست كباحة المدرسة التي لطالما كانت مكاناً يُساء فيه لهؤلاء الغير مندمجين اجتماعياً.
لقد لاحظ العاملون في مجال التوظيف أن السمات العقلية التي تتواجد عادةً لدى مبرمج الحاسوب المتميز تشابه تلك التي تم تشخيصها عند الأشخاص الذين لديهم متلازمة أسبرجر Asperger’s Syndrome ومنها: انشغال لحدّ الهوس بموضوع واحد وضيق، وشغف بالأرقام والأشكال والآلات، وإدمان على تكرير المهام، وصعوبة في التفاعل الاجتماعي. هناك دعابة شائعة يتداولها العاملون في وادي السيليكون بأن المتوحدين هم من اخترعوا الإنترنت كي يُسهّل لهم حياتهم، فبفضله يستطيعون التواصل دون الحاجة لتحمل عناء مقابلة الناس وجهاً لوجه.
أطلقت مجلة وايرد Wired على هذه الظاهرة اسم “متلازمة المهووسيين بالتكنولوجيا The Geek Syndrome”. يقول بيتر ثيل وهو من أوائل الممولين لفيسبوك، في حديث لصحيفة نيو يوركر عن رأيه في أولئك الذين أسسوا وأداروا شركات الإنترنت في العقد الماضي” بأن معظمهم فيهم شيءٌ من التوحد”. كذلك كتب يشان وونغ، أحد العاملين السابقين في فيسبوك، أن مؤسس الفيسبوك مارك زوكربيرج لديه “بعض عوارض متلازمة أسبرجر”، فهو “لايعطيك إشارة تُشعرك أو تؤكد لك أنه يستمع إلى ما تقوله.” كريغ نيومارك مؤسس موقع كريغليست craiglist الشهير، يقول بأنه عندما يطلّع على أعراض متلازمة أسبرجر “ينتابه القلق، لشعوره بأن أعراضها مألوفة في شخصيته.”
كذلك تنتشر مثل هذه السمات بين الخبراء الماليين. ومن هؤلاء مايكل بري، بطل كتاب مايكل لويس “The Big Short”، وهو يعمل مديراً للتمويل الوقائي وذو شخصية انعزالية. كان بري قد بدأ بالكتابة كهاوٍ في مدونة عن سوق الأسهم أثناء دراسته الطب. وعندما بدأ بجذب اهتمام الكثير من مدراء المال، ترك دراسة الطب وأسس شركته الخاصة، سيون كابيتال، للتمويل الوقائي. لاحظ بري إن هناك انحرافاً ما في سوق الأسهم، وراهن على أنها ستنهار. يقول الكاتب مايكل لويس في حديث للإذاعة عن بري: “هذا الشخص ذو العين الزجاجية ومتلازمة أسبرجر هو الشخص الوحيد الذي يمكنني الوثوق به في هذه الأزمة.”
وبين رجال الأعمال أنفسهم هناك أيضاً نسب عالية من الشذوذ الذهني بشكل يدعو للتعجب. أجرى جولي لوجين من كلية كاس لإدارة الأعمال Cass Business School مسحاً شمل مجموعة من رجال الأعمال ووجد أن 35% منهم أقرّوا بأنهم يعانون من عسر القراءة Dyslexia، بينما تبلغ هذه النسبة في مجموع السكان 10%، و1% بين مدراء الشركات. من أهم الشخصيات التي عرفت بأن لديها حالة عسر القراءة مؤسسوا شركات فورد، وجنرال إلكتريك، و آي بي إم IBM، و آيكيا IKEA، بالإضافة إلى العديد من الشخصيات الناجحة مؤخراً مثل تشارلز شواب (مؤسس ستوك بروكر)، ريتشارد برانسون (مجموعة فيرجن)، جون شامبرز (سيسكو)، ستيف جوبز (آبل). هنالك عدة تفسيرات محتملة لهذه الظاهرة، فالذين يعانون من عسر القراءة، يتعلّمون تفويض المهام في مرحلة مبكرة (يبدؤون هذا مع اعتمادهم على الآخرين ليكتبوا لهم فروضهم المدرسية)، كما أنهم ينجذبون إلى المهام التي تحتاج إلى القليل من المؤهلات وإلى القليل جداً من القراءة والكتابة.
من الحالات الشائعة أيضاً لدى رجال الأعمال ما يعرف باضطراب قصور الانتباه Attention-Deficit Disorder، وبسببه لا يستطيع الشخص التركيز على شيء واحد لفترة طويلة، فيكون بذلك موظفاً كارثياً، ولكنه في الوقت نفسه نبع من الأفكار. أظهرت بعض الدراسات أن احتمال أن يستقلّ الأشخاص الذين يعانون من قصور الانتباه بأعمالهم أكثر بست مرات من الأشخاص العاديين. يقول دافيد نيلمان مؤسس شركة جت بلو للطيران المنخفض التكلفة: “يجعل قصور الانتباه عقلي في بحث دائمٍ عن طرق أفضل للقيام بالأمور، صحيح أن هذه الحالة تجعلني غير مُنظّم، ومماطلاً، وغير قادر على التركيز، وسلوكيات أخرى سيئة يسببها قصور الانتباه، لكنها أيضاً تزودني بالإبداع والإقدام على المجازفات”. بول أورفاليا مؤسس عدة شركات منها شركة كينكو Kinko لديه حالتا قصور الانتباه وعسر القراءة معاً، قال مرةً: “يصيبني الملل بسرعة، وهذا برأيي محفز هائل لي، أعتقد أن الجميع يجب أن يكون لديهم عسر القراءة وقصور الانتباه”.
والآن أين هو الرجل المتوازن القديم الطراز من كل هذا؟ لا قلق عليه، مكانه محفوظ، فكلما زادت الشركات من توظيف هؤلاء المبدعين المتمردين سيزداد احتياجهم إلى المدير الحكيم القادر على إبقاء الشركة مستقرة. فالشركة تحتاج إليه ليضمن أن الأمور المملة، ولكن الضرورية أيضاً، سيتم تنفيذها، كما تحتاج إليه لإبهار الزبائن (ومشرعي القوانين أيضاً)، فهذه مهامٌ لا يمكن أن يقوم بها أشخاصٌ يعتقدون أن الناس العاديين كلهم أغبياء (شيرل ساندبرغ، نائبة مارك زوكربيرج ، تقوم بهذه المهام بشكل رائع لفيسبوك). وبالفعل نجت الكثير من الشركات الناشئة من الانهيار عندما استبدلت مؤسسيها بمدراء محترفين، لكن بالطبع يتوجب على هؤلاء المدراء تعلّم كيفية العمل مع هؤلاء المهووسيين geeks.
مهووس حتى جيناته
يُسبّبُ الآن تجمّع الأشخاص ذوي العقول الغير عادية في شركات “ذكية” مشاكل جديدة، فهم عندما يلتقون يتزوجون من أشخاص أذكياء لديهم نفس النظام العقلي، وسينجبون على الأغلب أولاداً يعانون من متلازمة أسبرجر أو من الشكل المزمن الأكثر من هذه المتلازمة، التوحد، كما يرى سيمون بارون كوهن من جامعة كامبردج. ويقدم سيمون دليلاً على هذا من دراسته للأولاد في مدينة إندهوفن، وهي تجمع تقني في هولندا، فقد شُخصّت لديهم أعراض التوحد مرتان أو ثلاث مرات أكثر مما لدى أطفال في عائلات أخرى بنفس الحجم في مدينتين هولنديتين أخرتين. ويعرض سيمون أيضاً كيف أن طلاب جامعة كامبردج الذين يدرسون الرياضيات والفيزياء والهندسة، لديهم على الأغلب أقرباء مصابون بالتوحد أكثر من الطلاب الذين يدرسون الأدب الإنجليزي.
على الرغم من أنّ أغلب الشركات تتجنب توظيف عاملين لديهم حالات مزمنة من التوحد، لكن هناك أيضاً شركات توظيف تتخصص في إيجاد فرص عمل للعاملين المتوحدين، مثل شركة “عاملون متخصصون” Specialist People الدانمركية التي تُوجد لهؤلاء العاملين وظائف تتطلب ذاكرة جيدة أو قدرة كبيرة على تكرار الأعمال.
عموماً، يُسبّب استبدال الشخص الذي يندمج بالمنظمة بالشخص الغير قادر على الاندماج بالمنظمة تحوّلاً في ميزان القوة. وعلى الرغم من أن أيام المدرسة لم تكن سهلة على هؤلاء العاملين الغير مندمجين بسبب استهزاء الناس بهم وتجاهلهم في المناسبات، لكن الأمر مختلف اليوم، فلا يمكن لشركة تأخذ عملها على محمل الجدّ أن تزدهر بدونهم. وكما تقول كيران مالهورتا Kiran Malhotra من وادي السليكون “إنه حقاً أمرٌ جميل أن تكون مهووساً.”
نُشرت النسخة الإنجليزية من هذا المقال في عدد 02-08 يونيو 2012 في مجلة الإيكونومست البريطانية، وهي مقالة في قسم شومبيتر Schumpeter الأسبوعي الثابت في المجلة والذي بدأته الإيكونومست في عام 2009 تخليداً لذكرى جوزيف شومبيتر عالم الاقتصاد الشهير.
ما رأيكم؟ هل تعرفون شخصاً ناجحاً لديه أي من هذه الحالات؟ وهل تعتقدون أن سوق العمل في منطقتنا العربية “تُقدّر” هؤلاء الأشخاص المختلفين عنّا؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق